تيكماطين في الذاكرة الوطنية ورقة تعريفية شاملة
يناير 19, 2022
ملفات وتقارير
713 زيارة
قبل تسعمائة سنة وفي حدود 536ه بالذات كانت حاضرة تيكماطين تتشكل شيئا فشيئا على أنقاض حي ” مصر” الولفي، وقد ظلت هذه الحاضرة المولودة في نفس السنة مع مراكش 432 ه، حسب البعض – الشريان الذي تسري فيه الحياة بين مجتمعي البيضان والولف، بل يرى بعض الباحثين من أمثال ( أحمد انياس معضدا بالمرحوم الخالد جمال ولد الحسن ) أن رحلة الولوف كانت من تخوم هذه الحاضرة الى السنغال وليس العكس .
وقد جسدت تيكماطين ذلك التعدد الاثني والعرقي الثري وتلك الحركية التجارية الضرورية لبناء القوالب الحضارية ، مشجعة بذلك ميلاد شتى الطرق الصوفية المختلفة والمتكاملة ، من شاذلية وقادرية وتيجانية وموريدية وصديقية، ومن المعرف أن تيكماطين وحوض النهر عموما شهدا بدايات المد الصوفي عندما مر بهذه لربوع الشيخ عبد الكريم المغيلي ت1532م.
وعلى يد رجالات تيكماطين وعبر بوابة حوض النهر اتسعت خارطة الإسلام بدءا ” ببير وانتال” ونتهاءا “بكوكي ” التي بنى الفقيه المختار الدنبه الكبير محظرته وقد اسلم على يديه ملك كاجور ” ساقور فاطم جوب” معلنا بذلك بداية الاندحار الفعلي للوثنية .
وإذا كانت تيكماطين قد مثلت الانسجام العرقي في أروع مظاهره، مخلفة في مكونات مختلف الأعراق زنجية كانت أم عربية فإنها قد أسست ثقافة للسلم والتعايش قلَّما ريئت في مكان آخر فإن دورها لم يقتصر على نشر الدين وضمان التبادلات التجارية والحفاظ على السلم المدني فحسب، بل تجاوزته إلى حماية المجتمع من أي اعتداء قد يؤثر على الدين والتجارة والسلم، لذلك ألتقى الشيخ إبراهيم رضوان ( جد المختار الدنبه ) رفقة بعض الملوك الولف بقائد قوات المنصور الذهبى ، الذي كان قد غزى تمبكتو في مسعى يهدف إلى حماية البلد من الاجتياح ، وبالفعل نجحت هذه المساعي الدبلوماسية الجبارة ، ويجدر بنا ان نشير إلى أن مؤسس جامعة ” ابير” القاضي عمر فال- كان والده ” كولى” ضمن الوفد الذي ثنى قائد جيش الرماة عن طموحاته للحصول على العبيد والذهب والملح والصمغ وريش النعام .
وإذا كان فقهاء الوالو وأئمة وقادة الدولة الإسلامية الإمامية في فوتا قد نهلوا من معين محاظر الشرفاء التيكماطينيين في ابير وانتال وكوكي، فإن علاقة الشرفاء بإفريقية السوداء ظلت قائمة منذ اعتلى عرش إمبراطورية غانا في القرن 5ه ، واحد من أبناء صالح بن عبد الله الكامل أخو مولاي ادريس الكبر .
ولنا أن نذكر أن أطلال المسجد العتيق بها كان من بين أولى سبع مآذن ببلاد التكرور ، وعلاوة على دور تيكماطين في نشر الدين وضمان الموارد التجارية ، كان لهم رأيهم السياسي ووجهة نظرهم في نمط الحكم وطبيعة السلطة لذلك شاركوا الى جانب الزوايا في حرب شرببه ، ولعبو الدور البارز في معركتي ” انتينو” و ” شمامه” كما عرضت عليهم القيادة حسب مخطوط المؤرخ الكبير باكا . و إذا ما أنصفنا التاريخ ، بل إذا أنصفنا التاريخ والجغرافيا فإننا سنقول بأن تيكماطين أو حوض النهر ، كانت نقطة قيام دولة المرابطين السنية .
انطلاقا من الفهم السليم لرأي ابن خلدون الذي وصف أرضا أقرب ماتكون إلى النهر و أبعد ما تكون من المحيط.
و بالتالي تموت نظرية انطلاق المرابطين من جزيرة (تيدرة) وتبدا إعادة بناء تاريخ قيام دولة المربطين بشكل صحيح من تخوم حوض النهر ، معضدا باستنتاجات الباحثين في المؤتمر الدولي لحركة لذكرى مرور الف سنة على حركة المرابطين 1432هـ ، الماضي بمبادرة مركز تيكماطين.
ويلمح البكري في المسالك والممالك ان التكرور قد شاركوا المرابطين في حملاتهم الدينية مما يدل على أن حوض نهر السنغال قد عرف الإسلام قبل المرابطين بفترة قد لا تكون قصيرة . و أن نظرة غابرة لتيكماطين – بوصفها مرات عاكسة لحوض النهر – تؤكد أن التوازنات السياسية والاقتصادية كانت على مر العصور تمر من هنا ، حيث شكلت الحاضرة سوقا تنطلق منها القوافل المتجهة إلى وادنون و اروان ، بموازاة مع خط قوافل تمبكتو الصويرة . ويرى الباحث الفرنسي ” بييربونت” أن الرحلات والسفن التجارية البحرية البرتغالية على السواحل والشواطء كانت تركز في مبادلاتها ومقايضاتهت على سوق ” أمبل” بتيكماطين “جنوب شرق”.
أما من الناحية السياسية فإن خؤلات أبناء الشريف ” ابي بزوله ” في تيكماطين من الولف وعلاقاتهم الودية الضاربة في القدم مع امارة الترارزة منذ عهد الاميرين عمر ولد كمبه واعل الكوري مرورا بمحمد لحبيب وضعت الجسر الذي مرت فوقه علاقات التعاون المثمرة والودية بين القوتين المهيمنتين على ضفتي النهر .
وعلى جنبات تيكماطين حيث يتعانق كرم تلال الصحراء مع أريحية اودية النهر ، حل او مر العلماء والفقهاء والشعراء والمشايخ فكان من أعظم هؤلاء : العارف بالله الشيخ محمد الحافظ التيجاني المولود بها ، والعارف بالله محمد اندكسعد الذي زارها ، والأمين النجيب شمس ادولحاج الجنوب ، وطلحة والد الشيخ المستعين وادييج الكمليلي دفينها ، وكذا سيدي احمد بوفارس دفينها وسيدي لمرابط محمذفال ولد متالي وسيدي يعرف والصبار والد مؤسس الصديقية دفينها وابراهيم الأموي قاضي المرابطين دفين امبلطون في داره وكذا أحمد بزيد وغيرهم كثير .
وفي شهادة المحامي عابدين ولد التقي نقلا عن الباحث محمد مولود ولد داداه والراحل اليدالي ولد الشيخ عضوي وفد موريتانيا إلى محكمة العدل الدولية دفاعا عن موريتانيا حين نادي المغرب بضمها ورفض الاعتراف بنا دولة، أن من أهم وثيقة قدمت في المرافعات كون خطب الجمعة في جوامع شنقيط وتيكماطين في القرن 16/17 ، ما كان يدعى فيها او يذكر الملك والعرش ، كما الخراج وسك العملة .
تسعمائة سنة تمضي اذا وتيكماطين ماتزال شامختا في وجه ألزم تتحدى أعاصير الجفاف والتصحر …. تتحدى دواعي الهجرة والذوبان باحثة عن بصيص أمل يشجعها على البقاء على عهد ذلك التاريخ الناصع الذي نسجت أليافه من العلم والبركة والأسرار والرقية والسياسة والتجارة والتعدد الثقافي والعرقي .
تسعمائة سنة تمضي وتيكماطين ما تزال وفية لموقعها كميزان اجتماعي يعادل الكفتين بالقسط بين حضارتين مختلفتين ولغتين مختلفتين ولونين مختلفين وابناء دين واحد وطموحات مشتركة ومصير وحدته عرى الدم والطهر والاحتكاك والتواصل .
تسعمائة سنة تمضي وتيكماطين ما زالت بوسائلها المتواضعة تواجه مصيرا أقل مايمكن أن يقال عنه انه مظلم ، فلاهي اعتبرت مدينة اثرية او تاريخية ، ولاهي ادخلت في مناهج التعليم ولاهي استفادت مما استفادت منه نظيراتها ، ولا استدعيت لكرنفال المدن التاريخية ، ورغم ذلك ستظل في معمعان معركة البقاء وفاءا لذلك التاريخ الكبير .
بقلم: الشيخ أحمدو بامبا ولد صيا