ورقة تعريفية للعلامة أن بن الصفي

شخصيتنا لهذا الأسبوع هو العلامة الشيخ محمد سعد بوه الملقب (أنّ بن الصفّي)

ا- نسبه

هو الشيخ محمد سعد بوه الملقب (أنّ بن الصفّي) بن زين العابدين بن محمدو (هبدي) بن أحمدو(يم) بن محمد(بيا) بن حابيب بن فوديه الأصغر بن أبوبك بن أعمر بن ييج بن محمد فوديه الجامع بن ييج بن أحمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد (الملقب أبو بزول)، التندغي الإيدگفودي الفودي.

اشتهر بلقبه أنّ ولد الصفي، و (ولْ الصفي) لقب جده هبدي الذي لقب به تيامنا باسم جده لأمه وهي مكفولة بنت الصفي بن المختار الله الركوني التندغي، يقول العلامة هبدي:
يقول نجل أحمد اللذ في البلد :: لقب بابن الصفي منسوبا لجد
لأمه لكنه يفخر به :: في كل محفل ..

أنّ بن الصفّي نجله آباء كرام، فأبوه زين العابدين بن الصفي كان غاية في الحفظ ومعرفة الأنساب، وكان مقدما عند معاصريه في علوم العربية وله حكايات مع بعض معاصريه تدل على سعة اطلاعه وعلو قدمه.
وجده هبدي ولد الصفي من كبار العلماء وصاحب محظرة تخرج منها أجلة أفذاذ بعضهم من آل بوحبين والبعض من بني عمومته وغيرهم، وامتاز هبّدي بالتحرير وجودة النظر والاختصار في مسائل الفقه، وله نظم على مختصر الشيخ خليل وشرحه أسماه التيسير.

ب – مولده :

ولد الشيخ محمد سعد بوه (أنّ) في نواكشوط سنة 1335هـ الموافق 1917م وهي السنة التي توفي فيها الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل بن مامين القلقمي، فسمي باسمه.
درس (أنّ) القرآن في سن السادسة، وطلب العلم وهو في الثانية عشرة من عمره، وكانت البداية عند شيخ قبيله، أحمدو بن أبي. ثم تاقت نفسه لطلب العلم تحدوه همة عالية وعزيمة لاتلين فأخذ العلم عن كوكبة من علماء المنتبذ القصي من أبزرهم:
العلامة سيدي المختار بن أحمد والد درس عليه “إضاءة الدجنة”، والمرشد المعين، وقرأ عليه من أول النكاح إلى الصداق وفصل السهو وباب الصوم من مختصر خليل، ودرس عليه النحو من أول ألفية بن مالك إلى باب الابتداء ومن باب العدد إلى التصريف، ولامية الأفعال.
وأخذ النحو عن سيبويه عصره العلامة يحظيه بن عبد الودود، كما أخذ النحو عن العلامة التاه بن يحظيه، و أخذ النحو كذلك عن العلامة محمد عالي بن عدود من باب البدل من الألفية إلى إعراب الفعل، ومختصر خليل في الفقه من باب الرضاع إلى الرهن، وأخذ عن العلامة حبيب بن الزايد: تحفة المحقق في حل مشكلات المنطق للعلامة المختار بن بون، وقرأ عليه من باب البيع إلى الرهن والعبادات من الكفاف، ومن شروط الصلاة إلى فصل السفر من مختصر خليل، ودرس على العلامة محمدن بن محمد بن المحبوبي المعاني والحساب، وأخذ النحو عن العلامة محمد سالم بن ألما، ودرس النحو كذلك على العلامة محمد عبد الله بن البشير، وأخذ عن العلامة محمد عالي بن نعم العبد ربع الإيجارات من المختصر، وأخذ عن العلامة المامي بن أبابك من آخر الشهادات إلى باب الشركة ومن باب الخلع إلى باب الرضاع ومن الرهن إلى الإيجارات، وأخذ من العلامة بداه بن البوصيري إجازة في الصحيحين، كما أخذ عن مجموعة من المشايخ منهم العلامة اگليگم ولد محمدو ولد متالي، والعلامة المختار بن أبلول، والعلامة المختار بن المحبوبي، والعلامة أبي بن حيمود، والعلامة أحمد سالم بن بويعدل، والعلامة محمد الأمجد بن أبي المعالي …

العلامة أنّ بن الصفّي خاتمة المحققين فريد دهره ووحيد عصره ونسيج وحده، بلغ مبلغا لم يبلغه غيره في علم النوازل حتى صار مقدما عند جميع معاصريه وأشادوا به في الميدان، وممن قدمه العلامة بداه بن البوصيري والعلامة محمد فال “أباه” بن عبد الله والعلامة محمد سالم بن عدود والعلامة اگليگم ولد متالي، والعلامة محمد سالم بن المحبوبي والعلامة نافع بن حبيب بن الزايد والعلامة أطفيل بن الواثق والعلامة أحمد يعقوب (يابّ) بن محمادي.

كانت له اليد الطولى في علم الفروع والعربية والأنساب، والحديث الشريف وكان شديد الورع رحمه الله عرف بحسن السمت، ومجانبة الأنظمة المتعاقبة، لم يشغل أي وظيفة رغم أنه كان أول موثق عرفي حيث بدأ العمل كموثق لما يجري بين الناس أواخر السبعينات، وقد عرضت عليه الدولة بعيد استقلالها وظيفة قاض فامتنع أشد الامتناع عن القضاء، واكتفى بوظيفة مستشار حيث كان قاضي لكصر محمد الأمين ولد البح يستعين به في مستعصيات القضاء وغيره من قضاة موريتانيا كقاضي روصو وقاضي أطار وأبي تلميت وغيرهم وكانت ترد عليه الأسئلة منهم ويرد عليها على شكل نازلة، كنازلة أطار ونازلة روصو….

كان غاية في الاجتهاد وتحرير المسائل حدث عن نفسه قائلا:
لما كنت في المحظرة وبعد “تمشيت اللوح على لمرابط” أذهب إلى العريش وكنت أعلق حبلا في العريش وأجعله في رقبتي لينبهني إذا غلبتني عيني، ويضيف:
حزمت بطني بالحجارة خوف أن يشغلني عن التحصيل.

تفرغ للتعليم والتدريس في بداية الخمسينات في محظرة أبيه وجده، وجمع مكتبة من أكبر المكتبات المحلية تحتوي على نوادر المخطوطات وأمهات الكتب المالكية ونوادر الطبعات وله طرة بخط يمينه من أجود الطرر على ألفية بن مالك واحمرار بن بونه.

كان شديد التحقيق والتحرير في الرواية لا يحدث إلا بما سمعه ممن يثق بعلمه، واهتم اهتماما بالغا بالتدريس فقط، ليست له أي مؤلفات، له فتاوي (قيد التحقيق والطباعة) تدل على سعة باعه وشدة اطلاعه، وبعض التقييدات والتعليقات على بعض حواشي شراح المختصر، وكان شاعرا مجيدا ومن جيد شعره قصيدتاه التي يمدح بهما آل محمذن بن بوحبين مطلع إحداهما:
ألا حي الربوع ربوع ريا :: لدى جنب النويدر فالعريا
وبرد من غرامك ما تلظى :: بإجراء الدموع بها أتيا
وهي طويلة رائعة ومعها أخرى في مديح آل محمذن وقصيدته التي يمدح بها محمد عال بن نعم العبد، وله قصيدة يمدح فيها القاضي أحمد سالم بن سيدي بن محمد وهو آنذاك قاضي روصو:
يا قاضيا بالعدل والإنصاف :: يقفوا الهداة مهذب الأوصاف
متضلعا حلما وعلما بارعا :: حلو الشمائل موطأ الأكناف
متعوذا إلف الكرام وسعيها :: وتجنب الأرذال والسفساف
من معشر فاقوا الورى بحلومهم :: شم جحاجح سادة أطراف

من أشهر تلامذته:
العلامة أحمد ولد الصفي (ابن عمه وصهره)
أبي بن أحمدو بن أبي
القاضي أحمد شيخنا بن أمات
العلامة الدين بن محمد علي
العلامة محمد لمين ولد أباه
العلامة امحمدولد السبتي اليعقوبي اليدامي
الدد ولد سيدي أحمد صاحب محظرة
محمدن بن أحمد سالم صاحب محظرة
الشاعر والفتى أحمدو كوري بن محمدن

كان رحمه الله من العلماء العاملين الورعين الزاهدين، مشتغلا بما يعنيه قال عنه الفتى الألمعي زايد المسلمين بن ماء العينين:
“كان ابن الصفي من آخر العارفين بخفايا الفقه المالكي في هذ البلد، وهوآخر مسادير العلامة يحظيه بن عبد الودود سيبويه عصرنا حدثني العلامة الزاهد أحمدو ولد محمذن فال بتندغماجك أنه عرف أنّ بن الصفّي في الأربعينيات مجدا في طلب العلم كثير التكرار لدروسه وكان عندما يعضه الجوع في قحط الأربعينيات “عام الهوفَ” يقيم ربوة صغيرة ويبلها بالماء ثم ينبطح عليها ليبرد غليان معدته من الجوع..

يقول صديقه في الصغر العلامة محمد الحسن ابن عبدا مرحبا به ومادحا له:
دليل علي نيل العلي والمني أنّا :: أتانا بحمد الله في أرضناا أنا
يفاكهنا بالعلم والعلم رافع :: له رفعها المحمول إن عملت إنا”
جواد طليق الوجه رحب فِناؤه :: وإن يـدع للـعـلـيـا لها فرحا أنَّـا

وحدث عنه الدين ولد محمد علي قائلا:
” ما رأيت أن ولد الصفي مدة إقامتي معه في اندگبعد لاهيا قط، إما يكتب أو يدرس أو يذكر الله … وكان ذلك دأبه حتى توفي رحمه الله عنه قبيل فجر الجمعة يوم 16 صفر 1432 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الموافق21 يناير2011 م. ودفن مع أسلافه المنعمين بمقبرة “اخشيم حميدي” شمال انواكشوط.

وقد رثاه عدد كبير من العلماء والشعراء، منهم الشيخ محمد الأمين بن أباه بقوله:
سعد أبيه أن عن دار الغرور :: رحل لما حل في دار السرور
من بعد صيت شاع في الآفاق :: له مع الجاه لدى التلاقي
والعلم والورع والصبر الجميل :: والزهد في الفاني وتعظيم الجليل
واللطف بالطلاب والمساعده :: منه لكل واحد على حده
وخدمة العلم بكل آني :: بماله والفكر والبنان
وحل كل مشكل من نازل :: بعزو كل قولة للقائل
عاش “وفيا” عابدا سنيا :: مجانبا لبدعة سنيا
إشارة لعمره
وكان الانتقال من دار النعيم :: بآخر الليل إلى دار النعيم
في أربع من صفر وعشر :: قد بقيت وقوع هذا الأمر
عام اثنتين وثلاثين سنه :: وأربع من المئين بينه
من بعد ألف قد مضت للهجرة :: وكان ذا بليلة العروبة
مقبرة “الخُشيم” حازت زينها :: وقد تحلت بثواه بينها
عليه من رحمة ذي الجلال :: سحائب الغدو والأصال
وبارك الرحمن في بنيه :: وآله الغر وفي ذويه
أزكى السلامين من السلام :: على النبي وصحبه الأعلام

ورثاه سيلوم ولد المزروف حفظه الله تعالى بقوله من قصيدة:
إذا نزلت بالقوم يوما نوازل :: تحار بها في الجمعات المجامع
وضاق بها المفتون ذرعا وأشكلت :: وضاق بها القاضي وجد التنازع
هنالك يثني نورها فيصيدها :: من الشيخ فهم لامع النور ساطع
وثابت أنقال صحاح صريحة :: يحز بها في مفصل الحق قاطع
إلى غير هذا من مزايا رفيعة :: يزينها منه الحيا والتواضع…

ورثاه القاضي محمد يحظيه ولد المختار الحسن بقصيدة منها:
نغر ولا نرضخ لنصح أريب :: بزهرة دنيا لم ترق للبيب
ونعرض عن نصح الحبيب كأنه :: إذا هو أبدى النصح غير حبيب
لئن غاب هذا الشيخ عنا مودعا :: لقد أذنت شمس الهدى بمغيب
فكم غاب من بر وتقوى وحكمة :: وصدر علوم للجميع رحيب
لئن نزعت عن بعضهم هيبة التقى :: لقد عاش طول العمر خير مهيب
وما لان مع من لان من ذي تزلف :: وعاش عصي العود جد صليب
فظاهر بين العلم والورع الذي :: له منه أوفى خطة ونصيب
ولم يؤثر الدنيا على امر دينه وما باع منه الدين دون رقيب
إذا قال بذ القائلين كأنه :: جهيزة بذت قول كل خطيب
لتبك عليه اليوم كل عويصة :: ونازلة لم تتضح لمجيب
ويبك عليه الدرس والطرس حسرة :: ويعلو نحيب الكتب كل نحيب
إذا ما تطالع كتبه لوجدته :: لها خير مرتاد وخير ربيب
فسل لغة القرآن واسأل علومه :: يجبك عن ابن الصف كل عريب
وسل مالكا عنه وسل نجل قاسم :: وأصبغ وابني نافع وحبيب
وسل شيخه يحظيه عنه وغيره :: ومن تندغ سل عنه كل نسيب
وسل عنه توثيقا وصلحا موفقا :: وإصدار حكم ظل جد مصيب
وسل كل مخطوط عزيز وجوده :: عن الشيخ واسأل عنه كل أديب
سقى الله بالغفران مع واكف الرضى :: ثرى جدث قد حل فيه خصيب
وأمسى بجنات الخلود مظللا :: بمثمر غرس يانع ورطيب
وبارك في الأبناء والأهل بعده :: وفي كل أواه هناك منيب
فلا غرو إن حاذوا صنيع أبيهم :: وهل تلد الأنجاب غير نجيب
وأوفى صلاة للحبيب محمد :: وآل وأصحاب لخير حبيب
صلاة بها نستمطر الأمن والرضى :: ونحيا بعز لم يكن بسليب

تغمد الله العلامة ان بواسع رحمته وبارك في خلفه.

كامل الود

عن Elmansour

شاهد أيضاً

ورقة موجزة عن الشيخ محمد المختار كاكيه

أكمل الشيخ كاكيه حفظ القرآن الكريم في مرحلة مبكرة من عمره على يد شيخه ابابه …