محمد الأمين باركلله يكتب : “نواكشوط تحت رحمة صندوق النقد الدولي”

إن المتابع والمهتم بالشأن الاقتصادي للبلد، لا تُفاجئه الإملاءات الجديدة أو السابقة من الهيئات المالية المتعددة الأطراف (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي) أو تلك البينية (بين الدول) والتي تُمنح على شكل قروض وهِبات…
إن هذه الإملاءات والسياسات الاقتصادية العقابية كانت متوقعة، وهي النتيجة الحتمية لسياسات اقتصادية متعرجة، ارتجالية وغير مدروسة، والتي تبنتها الأنظمة المتعاقبة.

ولكن ما أثر رفع الدعم عن الوقود اقتصاديًا واجتماعيًا؟ وما دلالات توقيته؟ هل بسبب الديون المتراكمة؟

1- لم يأتِ اختيار هذا الإجراء من خبراء الصندوق صدفة، فهم مهندسون في معرفة مواضع الوجع والنقاط الضعيفة لدى الدول الهشّة أمنيًا والضعيفة اقتصاديًا، لفرض سياساتهم المبطّنة.
إن رفع الدعم عن الوقود ما هو إلا إعلان صامت عن آخر حلقة من مسلسل التنمية الاقتصادية للبلاد الذي بدأ في الاحتضار منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، لنكون نحن جيل أواخر التسعينيات شاهدين على آخر سكراته قبل أن يلفظ أنفاسه وأرقامه وشعاراته البراقة.

2- بيد أن أول من سيتأثر بشكل مباشر من هذا الإجراء، إن تم اعتماده، هم الفقراء، أصحاب الدخل المحدود، الموظفون، العاطلون والمعطلون عن العمل. كما سيؤدي إلى زيادة تكلفة أسعار النقل على البضائع والأشخاص، كما أن التضخم سيشهد أعلى مستوى له، مع خسارة العملة الوطنية لقيمتها تدريجيًا.
إن هذا السيناريو، إن حدث – لا قدر الله – سيفرض تحديات اقتصادية، اجتماعية، سياسية وأمنية لم يسبق أن واجهتها موريتانيا في تاريخها الحديث.

3- إن اختيار هذا الاقتراح في هذا التوقيت بالذات لم يأتِ من فراغ، فكل إجراء أو اقتراح يتخذه الصندوق تتم دراسته بعناية فائقة، عندما تتوفر الظروف المناسبة والمساعدة على فرضه أو للابتزاز به، حتى يكون وسيلة ضغط وغطاء لسياساته المبطّنة بـ«الإصلاح» من أجل خصخصة جميع القطاعات الاقتصادية الحيوية.
فموريتانيا حسب آخر الأرقام تم تصنيفها كثاني بلد إفريقي مُصدّر للذهب، ناهيك عن الموارد الاقتصادية الهائلة، وتُعدّ فرصةً للاستثمار في مجالات الطاقة والنفط والزراعة وغيرها…
غير أن التحديات الأمنية وغياب العدالة الاجتماعية والفساد وتوغله في المجتمع لا تغيب عن خلايا الصندوق النائمة وعيونه.

4- إن الارتفاع المقلق للديون الخارجية المتراكمة في العقود الماضية، والتي وصلت إلى 43% من الناتج المحلي الإجمالي حسب الصندوق لعام 2023، والتي سنظل ندفع ثمنها لعقود من الزمن دون أن نرى نتائجها الإيجابية، سيشكّل عائقًا في وجه أي تنمية اقتصادية كُتب لها أن تكون.
إن الدين بحد ذاته ليس هو المشكلة، لأن غالبية الدول مطالبة بتسديد الديون، لكن عندما لا تمتلك الدولة الاستقلالية والسيادة في قرار توظيفه، هناك يكون الخلل.
إذ يفرض صندوق النقد وغيره من الهيئات المالية توظيفه في مجالات يتم اختيارها مسبقًا، ولا تساهم بشكل سريع في تسديده. حينها يتحيّن الصندوق الفرصة لفرض أو اقتراح مثل هذه السياسات.

ولكن ألا تتحمل الأنظمة المتعاقبة على الحكم والنخب المسؤولية؟
بقلم: محمد ألمين باركلله/مهتم بشأن الاقتصادي.

عن Elmansour

شاهد أيضاً

أسرة أهل عبد العزيز تعزي في وفاة الفقيد محمد المامي ولد البدوي

تلقينا في أسرة أهل عبد العزيز ببالغ الأسى والحزن نبأ رحيل فقيد الفضل و المروءة …