الاعلامي محمد يانا يكتب: انطلاقة باهتة لمهرجان المذرذرة تكشف اختلال الرؤية والتمثيل

علّقت ساكنة ولاية اترارزة آمالًا كبيرة على ما أُعلن عنه بوصفه «مهرجان المذرذرة الدولي»، باعتباره تظاهرة ثقافية يفترض أن تعكس ثقل الولاية تاريخيًا وبشريًا، وأن تكون منصة جامعة تعزز الهوية المشتركة وتفتح آفاق التنمية الثقافية والسياحية. غير أن الانطلاقة الباهتة للمهرجان، كما عكستها الوقائع وردود الفعل، كشفت مبكرًا عن فجوة واضحة بين الخطاب المعلن والممارسة على الأرض.
أولًا: إشكال الرؤية والتمثيل
أولى الإشارات السلبية تمثلت في الطابع الإقصائي للتحضير والتنظيم. فمهرجان يُفترض أنه ولائي ودولي في آن واحد، لا يمكن أن يُدار بمنطق محلي ضيق، ولا أن يُقصي مقاطعات وبلديات بكاملها، وفي مقدمتها مقاطعة كرمسين. هذا الإقصاء لم يكن تفصيلًا ثانويًا، بل مسّ جوهر الفكرة، وأفرغ شعارات «وحدة النسيج الاجتماعي» و«الهوية الجامعة» من مضمونها، ما ولّد شعورًا بالإحباط لدى شرائح واسعة من سكان الولاية، خصوصًا في مناطقها الجنوبية الغربية.
ثانيًا: ارتباك بروتوكولي وضعف التنسيق
غياب وزير الثقافة، وهو القطاع الوصي، عن الافتتاح، بحجة تزامن الحدث مع مهرجان آخر، شكّل ضربة رمزية قوية لصورة المهرجان. فالرهان على الحضور الحكومي ليس مجرد مسألة بروتوكولية، بل رسالة سياسية وثقافية حول أهمية الحدث. وما زاد من حدة الارتباك هو الفشل في تأمين تمثيل حكومي بديل في الوقت المناسب، رغم محاولات الاتصال بعدة وزراء واعتذارهم تباعًا، ما أدى إلى تأخير الافتتاح الرسمي وأعطى انطباعًا بعدم الجاهزية وضعف التنسيق.

ثالثًا: مضمون لا يرقى إلى صفة «الدولي»
انتقادات عدد من الصحفيين والمدونين، مثل توصيف المهرجان بأنه أقرب إلى «مناسبة اجتماعية» منه إلى تظاهرة ثقافية دولية، تعكس خللًا في المحتوى والرسائل. فحين يطغى طابع المجاملات الشخصية، ويغيب البرنامج الثقافي الواضح ذي البعد الوطني أو الدولي، يصبح وصف «الدولي» مجرد لافتة إعلامية لا سند لها في الواقع.
إثارة التساؤلات حول ميزانية المهرجان، ومظاهر صرفها، مؤشر آخر على ضعف التواصل والشفافية. ففي التظاهرات الثقافية الكبرى، يُعد الوضوح المالي جزءًا من بناء الثقة مع الرأي العام، وغيابه يفتح الباب أمام الشكوك، ويُضعف أي أثر إيجابي محتمل للحدث، مهما حسنت النوايا.
أخطر ما في هذه البداية الباهتة ليس ما حدث في يوم الافتتاح فقط، بل الأثر النفسي والمعنوي الذي خلّفه لدى جمهور كان ينتظر حدثًا جامعًا يليق بولاية اترارزة. فالمهرجانات، في جوهرها، ليست منصات للعرض فقط، بل أدوات لبناء شعور جماعي بالانتماء. وعندما يشعر جزء معتبر من الساكنة بأنه مُستبعد أو غير معني، فإن المهرجان يفقد روحه قبل أن يكتمل برنامجه.
تكشف انطلاقة مهرجان المذرذرة عن خلل مركب: ضعف في الرؤية الجامعة، ارتباك في التنظيم، وقصور في التواصل والتمثيل. النقد الموجَّه، كما عبّر عنه صحفيون ومدونون ورواد التواصل الاجتماعي، لا يبدو تشكيكًا في النوايا بقدر ما هو دعوة صريحة إلى تصحيح المسار.
فإن أراد القائمون على المهرجان إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإن المدخل يبدأ بمراجعة المقاربة، توسيع دائرة الإشراك، وضبط المعايير التي تجعل من التظاهرة مهرجانًا ولائيًا حقيقيًا، لا نشاطًا محليًا مُغلّفًا بخطاب دولي.
محمد يانه

عن Elmansour

شاهد أيضاً

نصيحة مشفق/بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن : الوطن بحاجة لأبنائه فى كل وقت

كتب الصحفي عبد الفتاح ولد اعبيدنا مقالا تحت عنوان “نصيحة مشفق” أكد فيه أن الوطن …