محمد آبني يكتب : الشاي على الطريقة الموريتانية حب وأدب ومسامرة

ليس “الشاي” بالنسبة للموريتانيين مجرد مشروب بمذاق شهي وفائدة صحية فقط، كما هي وظيفته المعهودة، بل هو تراث زاخر بالعادات والتقاليد نسجها المجتمع حول ما يدعى شعبيا بـ”الآتاي” وقصة عشق مع مشروب تغلغل في الوجدان كجزء أصيل في ثقافته وقيمه
وعرف الموريتانيون الشاي مع أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث جذبته إلى هذه الربوع قوافل التجار القادمة من الشمال آنذاك، وأحبوه وتعلقوا به فتفننوا في أناقة وتزيين أدواته، وفي اختيار ندمائه، وفي طريقة إعداده، كما تفنن الأدباء في وصف الشاي، ومجالسه، وعلاقته بالفتوة.

ومن العادات والتقاليد المصاحبة لإعداد الشاي، التى حرص على اتباعها الموريتانيون وغيرهم من الشعوب الصحراوية التي تشترك معهم في نفس النظرة لهذا الموروث، وهي شروط يصبح مجلس “الآتاي” بدونها ناقصا.

أولها وأهمها، طقوس الإعداد التي يفضل أن تظل على الشكل التقليدي، باستخدام الجمر لغلي الإبريق أو ما يسمى “البراد” ثم تقديم الكؤوس على 3 مراحل في جلسة واحدة تكون أصلا هي الهدف من إعداد “الآتاي” كفرصة لنقاش موضوع معين عن مجال للسمر واللهو بين المجتمعين.

ومن عادات الموريتانيين الثابتة حول “الآتاي” وتلك الطقوس التي تحقق نكهته ما يعرف بالجيمات الثلاثة، “جمر” و”جر” وتعني عدم الإسراع في إكمال توزيع الكؤوس 3 مرات في جلسة واحدة، بالإضافة إلى “اجماعة” وهي بيت القصيد أصلا لأهمية الموضوع أو للمتعة والفائدة المرجوة من ورائه.

ويولي الموريتانيون أهمية خاصة لطريقة تحضير “الآتاي” حتى كنو كناية لإنشغال صاحبه “القيام” في إعداده “القيام مايبانو أكدامو” وهي كناية عن الإنشغال به
و تبدأ طريقة صناعة الأتاي بإحضار الإبريق والكؤوس وصحون أخرى يتم من خلال بعضها توزيع الكؤوس على الحضور، ثم خلط كمية من الشاي كما يسمونه (الوركه) وكمية من الماء،

يترك هذا المخلوط ليغلي على النار لمدة 10 دقائق، وبعدها تضاف إليه كمية من السكر والنعناع، ويتم تدويره بين الكؤوس مرات عديدة، وبظهور رغوة داخل الكؤوس تكون العملية قد تمت.

بعدها، يتم توزيع كؤوس الشاي على الحضور، ومن عادات الموريتانيين أن يتم في البداية توزيع الكؤوس على الرجال الأكبر سنا، ثم بقية الحضور من الشباب والنساء.

لا تخلو المجالس الموريتانية من الشاي، أو “الآتاي” إذ به تطيب النفوس ويحلو الحديث على رشفاته المنغمة، ويتساوى في عشقه الصغار والكبار، النساء والرجال، الوجهاء والفقراء، ويقدمه الموريتانيون بفخر لقرى الضيف -أو هو أول مايقدم له-، كتقليد اجتماعي يحيل إلى جزء كبير من هويتهم وموروثهم الثقافي والقيمي.

عشق الموريتانيين للشاي ظهر في أدبهم كالشمس وقت الزوال فتغني الشعراء على عزف كاساته بالفصيح والشعبي، امتنانًا لهذا المشروب الذي يعوضهم وحشة الصحراء، وطربًا بنشوة تناوله التي لا تضاهيها نشوة مشروب.

يقول أحدهم:

ألا فاسقني كأساتِ شاي ولا تذرْ
بساحتها من لا يعين على السمر
فوقت شراب الشاي وقت مسرة
يزول به عن قلب شاربه الكدر

وقد أحسن ولد أحمديوره في وصف أهميته لدرجة تفرق الهم

أتايُنا منْه فمُّ المَرْءِ يَحْتَرِقُ

قد طابَ سُكَّرُهُ والمَاءُ والورَقُ

باتَ المُبارَكُ يَسْقِينَا علَى مَهَلٍ

واللَّهْوُ مُجْتَمِعٌ والهَّمُّ مُفْتَرَقُ

ويقول ٱخر غزلا به وتنبيها على مكانته العلمية :
لولا الأتاي ولولا البيض والعيس لماتكون بين الإنس تانيس
أتاي يذهب مافي القلب من حزن
وقد يطيب به علم وتدريس
كما أبدع ولد أبن ولد أحميدن في وصف طريقة إعداده :

ولما أترع المغراج ماءا
وجيئ بفرنة ذات التقاد
وبوئ مقعد المغراج فيها
وصوت شرب أذواد صواد
وأبرز سائس الكاسات كيلا
من المفتولا جاد بعرف جاد

ولا يزال الشاي في وقتنا الحاضر يفرض جزءا مهما من طقوسه، ويلعب أدواره المعهودة في المجتمع الموريتاني رغم تطور وسائل العصر، وتبدل الظروف، وحوله تجتمع العائلة 3 مرات في اليوم، وعلى إيقاع كؤوسه تلتئم جلسات تدبير الهم العام، في المحافل المختلفة.

                        محمد ٱبني

عن Elmansour