همسات مسائية : من إرث الرواد إلى طموح الشباب

الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، القائل: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا».

أما بعد ، فإن الحديث عن *النخب الوطنيةوإشكالية التوفيق بين ما أنجزه جيل الرواد وما يحمله جيل اليوم من طموحات للتغيير والتطوير*، حديثٌ عن مسيرة وطنٍ لا تتوقف عند جيل ولا تُختزل في حقبة تاريخية معينة. فالأمم لا تُبنى في يوم، ولا تنضج في لحظة، بل هي نتاجُ تواصل الأجيال وتكامل الجهود.

لقد أدّى الجيل السابق — بصدقٍ وإخلاص — دورًا عظيمًا في تثبيت الهوية الوطنية، وحفظ الاستقرار، وصَوْنِ القيم المشتركة، والسعي نحو استقلال القرار الوطني وبناء المؤسسات. وقد واجه تحديات صعبة: 

من شح الإمكانات، إلى ضغوط الواقع السياسي، ومع ذلك شقّ الطريق ووضع الأساس.

ومن الإنصاف الشرعي والأخلاقي أن نقرّ لهذه الجهود بفضلها، امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾ (البقرة: 134)

أما جيل اليوم ، فهو جيلٌ وُلد في عالم مختلف، عالم سريع الإيقاع، واسع الآفاق، رقميِّ الثورة، يؤمن بقدرة الإرادة الإنسانية على صنع المستحيل، ويبحث عن مساحات أوسع للمشاركة والابتكار، ويرى أن الوطن لا يمكن أن يقف عند حدٍّ معين من المنجزات. إنه لا يريد أن يهدم، بل يريد أن يبني فوق ما بُني. ولا يرغب في تجاوز الثوابت، بل في تطوير الوسائل بما لا يمس القيم الراسخة، امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11) .

وليس من الحكمة — ولا من الأخلاق — أن يتحول الحوار إلى خصامٍ بين الأجيال، أو إلى تنافسٍ يطغى عليه التهميش والإنكار أو إلقاء اللوم، فإن القرآن الكريم حذّر من هذا المنزلق حين قال: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ (الأعراف: 38)

فاللعن والاتهام والانتقاص ليس منهجًا إصلاحيًا، ولا يبني وطنًا، بل يزرع القطيعة ويهدم الجسور. فالحل ليس في القطيعة، بل في الشراكة. ليس في لعن الماضي، ولا في تقديسه، بل في تقييمه بموضوعية: نأخذ من إنجازاته القوة، ومن أخطائه الخبرة.

إن الثوابت الوطنية — الهوية، الوحدة، القيم، الإنتماء — هي بمثابة الجذور للشجرة، و التجديد هو فروعها وأوراقها وثمرها. فلا شجرة دون جذور، ولا حياة لجذور دون ثمار.

وبذلك يتحقق التوازن بين : أصالة الماضي، ووعي الحاضر، ورؤية المستقبل.

جيلٌ سلّم الأمانة ، وجيلٌ يتسلمها. والغاية واحدة: أن يبقى الوطن عزيزًا، والأمة قوية، والإنسان محترمًا.

وفي ختام هذه الكلمة، نتوجّه بالدعاء إلى الله تعالى أن يوفق جميع أبناء الوطن — على اختلاف أعمارهم وتجاربهم — إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وأن يجعل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم. ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُه والمُومِنُون ﴾ (التوبة: 105)

والحمد لله رب العالمين.

الشيخ أحمدسالم ولدأحمدو (مواطن من مقاطعة كرمسين

عن Elmansour

شاهد أيضاً

أم الخير المصطفى أخلبفة ترد على ما جاء في حديث النائب برام اعبيدي في بروكسل

كتب أم الخير المصطفى أخلبفة الأمينة الدائمة لحزب الانصاف على صفحته على فيس بوك تدوينة …