همسات مسائية : «اكْسِيسْ»… من دلالة عفوية إلى مرآة للتحولات الإجتماعية
9 ساعات مضت
تدوينات
64 زيارة
كلمة «اكْسِيسْ» كلمة متداولة في اللهجة الحسانية، لا سيما في الناحية الجنوبية الغربية من البلاد، وهي من الألفاظ التي يشيع استعمالها في الحياة اليومية، على الرغم من غموض أصلها اللغوي. فلا يُعرف على وجه الدقة من أين تسربت إلى الحسانية: هل جاءت من إحدى اللغات المجاورة في المجال الثقافي، كالولفية أو الأمازيغية (البربرية)، أم أنها نتاج تفاعل محلي قديم طمسته الأيام؟
أسئلة تظل مفتوحة، وإن كان الاهتمام هنا مُنصبًا أساسًا على دلالة الكلمة واستعمالاتها.
تُستعمل كلمة «اكْسِيسْ» في الغالب للتعبير عن نوع من التحسس أو الضيق الخفي تجاه حظوةٍ ينالها شخص ما، كأن يُرزق بمنصب، أو يحظى بوظيفة مرموقة، أو يكثر ذكره في المجالس والمحافل.
في مثل هذه الحالات، قد يظهر الإمتعاض في صيغة كلمة عابرة، تُخْفي أكثر مما تُظهر.
فنسمع – أحيانًا على سبيل المزاح، وأحيانًا بجدٍّ لا يخلو من مرارة – من يقول:
«الّا امْعدَّ لّي صاحٔبي اكْسِيسْ ابذالِّ اعطَاني مولانا».
وهنا، لا تكون الكلمة مجرد وصف عابر، بل حاملة لمعانٍ نفسية واجتماعية مركبة، تمتزج فيها الغيرة بالإحساس بعدم الإنصاف، وربما بشيء من المقارنة الصامتة بين الذات والآخر.
وحسب اعتقادي، ومع تطور المجتمع وتزايد طموح أفراده إلى التغيير، وسعيهم إلى تحسين أوضاعهم وفق مقتضيات العصر، اتسع حضور كلمة «اكْسِيسْ» ليشمل مجالات متعددة من الحياة. ولم تعد محصورة في سياق محدود أو عفوي، بل صارت تُستعمل أحيانًا كاختزال لمشاعر أعمق: شعور بالتهميش، أو الإحباط، أو عدم الرضا عن مسارات التوزيع الاجتماعي للفرص…..إلخ.
وهنا يبرز التخوف: أن يُفضِيَ هذا الاتساع في الإستعمال إلى إفراغ الكلمة من دلالتها الأولى، تلك الدلالة المطبوعة بالبراءة وخفة الظل، لتحل محلها معانٍ أكثر ثقلًا، وربما أكثر حدَّة، تعكس توترات اجتماعية مكتومة.
إن الكلمات، كما البشر، تتغير بتغير الأزمنة، وتحمل آثار التحولات التي تعبرها المجتمعات. و«اكْسِيسْ» ليست سوى مثال صغير على ذلك التفاعل الصامت بين اللغة والواقع.
والله المستعان.
الشيخ أحمد سالم ولد أحمدو
مواطن من مقاطعة كرمسين.