تيكماطين في الذاكرة الوطنية / الدكتور  أحمدو بمب صيار

كتب ابن قرية تيكماطين الدكتور أحمدو بمب صيار مقالا تحدث فيه عن قريته التي تعتبر أقدم قرية في مقاطعة كرمسين حيث تم تأسيسها سنة 536 هجرية و هذا نص المقال :

قبل تسعمائة سنة وفي حدود 536ه بالذات كانت حاضرة تيكماطين تتشكل شيئا فشيئا على أنقاض حي ” مصر” الولفي، وقد ظلت هذه الحاضرة المولودة في نفس السنة مع مراكش 432 ه، حسب البعض – الشريان الذي تسري فيه الحياة بين مجتمعي البيضان والولف، بل يرى بعض الباحثين من أمثال ( احمد انياس معضدا بالمرحوم الخالد جمال ولد الحسن ) ان رحلة الولوف كانت من تخوم هذه الحاضرة إلى السنغال وليس العكس .
وقد جسدت تيكماطين ذلك التعدد الاثني والعرقي الثري – وتلك الحركية التجارية الضرورية لبناء القوالب الحضارية ، مشجعة بذلك ميلاد شتى الطرق الصوفية المختلفة والمتكاملة ، من شاذلية وقادرية وتيجانية وموريدية وصديقية، ومن المعروف أن تيكماطين وحوض النهر عموما شهدا بدايات المد الصوفي عندما مر بهذه الربوع الشيخ عبد الكريم المغيلي ت1532م.
وعلى يد رجالات تيكماطين وعبر بوابة حوض النهر اتسعت خارطة الإسلام بدءا ” ببير وانتال” ونتهاءا “بكوكي ” التي بنى الفقيه المختار الدنبه الكبير محظرته وقد اسلم على يديه ملك كاجور ” ساقور فاطم جوب” معلنا بذلك بداية الاندحار الفعلي للوثنية .
وإذا كانت تيكماطين قد مثلت الانسجام العرقي في أروع مظاهره ، مخلفة في مكونات مختلف الأعراق زنجية كانت أم عربية فإنها قد أسست ثقافة للسلم والتعايش قلَّما رِيئَت في مكان آخر وذلك أن دورها لم يقتصر على نشر الدين وضمان التبادلات التجارية والحفاظ على السلم المدني فحسب، بل تجاوزته إلى حماية المجتمع من أي اعتداء قد يؤثر على الدين والتجارة والسلم، لذلك التقى الشيخ ابراهيم رضوان ( جد المختار الدنبه ) رفقة بعض الملوك الولف بقائد قوات المنصور الذهبى ، الذي كان قد غزى تمبكتو في مسعى يهدف إلى حماية البلد من الاجتياح ، وبالفعل نجحت هذه المساعي الدبلوماسية الجبارة ، ويجدر بنا أن نشير إلى أن مؤسس جامعة ” ابير” القاضي عمر فال- كان والده ” كولى” ضمن الوفد الذي ثنى قائد جيش الرماة عن طموحاته للحصول على العبيد والذهب والملح والصمغ وريش النعام .
وإذا كان فقهاء الوالو وأئمة وقادة الدولة الإسلامية الإمامية في فوتا قد نهلوا من معين محاظر الشرفاء التيكماطينيين في ابير وانتال وكوكي، فان علاقة الشرفاء بافريقية السوداء ظلت قائمة منذ اعتلى عرش امبراطورية غانا في القرن 5هجري ، واحد من أبناء صالح بن عبد الله الكامل شقيق مولاي ادريس الكبير .
ولنا أن نذكر أن أطلال المسجد العتيق بها كان من بين أولى سبع مآذن ببلاد التكرور ، وعلاوة على دور تيكماطين في نشر الدين وضمان الموارد التجارية ، كان لهم رأيهم السياسي ووجهة نظرهم في نمط الحكم وطبيعة السلطة لذلك شاركوا إلى جانب الزوايا في حرب شرببه ، ولعبو الدور البارز في معركتي ” انتينو” و ” شمامه” كما عرضت عليهم القيادة حسب مخطوط المؤرخ الكبير باكا .
وذا ما أنصفنا التاريخ ، بل إذا أنصفنا التاريخ والجغرافيا فإننا سنقول بان تيكماطين أو حوض النهر ، كانت نقطة قيام دولة المرابطين السنية .
انطلاقا من الفهم السليم لرأي ابن خلدون الذي وصف أرضا أقرب ماتكون إلى النهر وأبعد ما تكون من المحيط.
وبالتالي تموت نظرية انطلاق المرابطين من جزيرة (تيدرة) وتبدأ إعادة بناء تاريخ قيام دولة المربطين بشكل صحيح من تخوم حوض النهر ، معضدا باستنتاجات الباحثين في المؤتمر الدولي لحركة ذكرى مرور الف سنة على حركة المرابطين 1432هـ ، الماضي بمبادرة من مركز تيكماطين.
ويلمح البكري في المسالك والممالك أن التكرور قد شاركوا المرابطين في حملاتهم الدينية مما يدل على أن حوض نهر السنغال قد عرف الإسلام قبل المرابطين بفترة قد لا تكون قصيرة . وأن نظرة عابرة لتيكماطين – بوصفها مرآت عاكسة لحوض النهر – تؤكد أن التوازنات السياسية والاقتصادية كانت على مر العصور تمر من هنا ، حيث شكلت الحاضرة سوقا تنطلق منها القوافل المتجهة إلى وادنون وأروان ، بموازاة مع خط قوافل تمبكتو الصويرة . ويرى الباحث الفرنسي ” بييربونت” في مقابلة له أن الرحلات والسفن التجارية البحرية البرتغالية على السواحل والشواطئ كانت تركز في مبادلاتها ومقايضاتهت على سوق ” امبل” بتيكماطين “جنوب شرق”.
أما من الناحية السياسية فإن خؤلات أبناء الشريف ” أبي بزوله ” في تيكماطين من الولف وعلاقاتهم الودية الضاربة في القدم مع إمارة الترارزة منذ عهد الأميرين عمر ولد كمبه وأعلى الكوري مرورا بمحمد لحبيب وضعت الجسر الذي مرت فوقه علاقات التعاون المثمرة والودية بين القوتين المهيمنتين على ضفتي النهر .
وعلى جنبات تيكماطين حيث يتعانق كرم تلال الصحراء مع أريحية اودية النهر ، حل او مر العلماء والفقهاء والشعراء والمشايخ فكان من أعظم هؤلاء : العارف بالله الشيخ محمد الحافظ التيجاني المولود بها ، والعارف بالله محمد اندكسعد الذي زارها ، والأمين النجيب شمس ادولحاج الجنوب ، وطلحة والد الشيخ المستعين وادييج الكمليلي دفينها ، وكذا سيدي احمد بوفارس دفينها وسيدي لمرابط محمذفال ولد متالي وسيدي يعرف والصبار والد مؤسس الصديقية دفينها وابراهيم الأموي قاضي المرابطين دفين امبلطون في داره وكذا أحمد بزيد وغيرهم كثير .
وفي شهادة المحامي عابدين ولد التقي نقلا عن الباحث محمد مولود ولد داداه والراحل اليدالي ولد الشيخ عضوي وفد موريتانيا إلى محكمة العدل الدولية دفاعا عن موريتانيا حين نادي المغرب بضمها ورفض الاعتراف بنا دولة، أن من أهم وثيقة قدمت في المرافعات كون خطب الجمعة في جوامع شنقيط وتيكماطين في القرن 16/17 ، ما كان يدعى فيها او يذكر الملك والعرش ، كما الخراج وسك العملة .
تسعمائة سنة تمضي اذا وتيكماطين ماتزال شامختا في وجه ألزم تتحدى أعاصير الجفاف والتصحر …. تتحدى دواعي الهجرة والذوبان باحثة عن بصيص أمل يشجعها على البقاء على عهد ذلك التاريخ الناصع الذي نسجت أليافه من العلم والبركة والأسرار والرقية والسياسة والتجارة والتعدد الثقافي والعرقي .
تسعمائة سنة تمضي وتيكماطين ما تزال وفية لموقعها كميزان اجتماعي يعادل الكفتين بالقسط بين حضارتين مختلفتين ولغتين مختلفتين ولونين مختلفين وابناء دين واحد وطموحات مشتركة ومصير وحدته عرى الدم والطهر والاحتكاك والتواصل .
تسعمائة سنة تمضي وتيكماطين ما زاتلت بوسائلها المتواضعة تواجه مصيرا اقل مايمكن ان يقال عنه انه مظلم ، فلاهي اعتبرت مدينة اثرية او تاريخية ، ولاهي ادخلت في مناهج التعليم ولاهي استفادت مما استفادت منه نظيراتها ، ولا استدعيت لكرنفال المدن التاريخية ، ورغم ذلك ستظل في معمعان معركو البقاء وفاءا لذلك التاريخ الكبير .

About Elmansour

Check Also

ولد ضياء الدين : ما فيه تعليمنا اليوم من ترد سببه استنساخ تجارب بلدان أخرى

كتب ابن المقاطعة المكون بمدرسة تكوين المعلمين بكيهيدي السيد : محمد الشيخ ضياء الدين تدوينة …